امبريالية نظام “السويفت” الدولي توحش غربي على حاضر ومستقبل العالم
امبريالية نظام “السويفت” الدولي توحش غربي على حاضر ومستقبل العالم
الحرب المشتعلة حاليا بين الغرب الاستعماري وروسيا في الأراضي الأوكرانية اتخذت مسارات متعددة، منها القتال المباشر بين القوات المسلحة الروسية، والقوات الأوكرانية المدعومة غربيا بكل الأسلحة الفتاكة، ومنها اقتصادية وأخطرها نظام ” “السويفت”
ومع ذلك استطاع الروس خلال السنوات الماضية أن يطوروا نظام سويفت خاص بهم وبإمكانهم إنجاز معاملاتهم في التحويلات المالية دون الحاجة للسويفت الدولي. التصعيد الغربي في توتير الأجواء اتخذ مسارات متعددة في إشعال فتيل الحرائق ابتداء من الدنباس، واشتدت وتيرة الأزمة حين كثف الجيش الأوكراني هجماته على سكان منطقتي دانتسك ولوجانسك، واضطر السكان المدنيين إلى ترك مواطنهم والنزوح إلى الأماكن الآمنة من لهيب المعارك الطاحنة وهدم المساكن على رؤوس ساكنيها. 130 ألف جندي أوكراني يسندهم مرتزقة أجانب ودعم لوجستي واستخباراتي، وسيل من الإمدادات العسكرية، وفي المقابل كانت روسيا قد حشدت جيشها على الحدود تحسبا لأي تقدم نحو أراضيها، وامتعض الغرب لذلك، وأخذت الدعاية الإمبريالية الغربية تعزف على وتر “الغزو” الروسي لأوكرانيا، بينما هي تعزز من قواعد حلف الناتو في أوروبا الشرقية وإقامة جسر جوي للإمدادات العسكرية من واشنطن إلى كيف ومن بلدان أوروبية. ومارست الولايات المتحدة شتى أنواع الضغوطات، ولم تمتثل للضمانات الأمنية، بل أخذتها النرجسية إلى الأعمال الطائشة بتصعيد مواقفها السياسية إلى المستويات العليا في الحرب الاقتصادية والسياسية والعسكرية والدبلوماسية، والتجارية، والمالية، والإعلامية، والثقافية، والرياضية، والأدبية، والفنية. وأعلنت تحدياتها لروسيا جهرا بسيل من التهديدات والويل والوعيد، ولم تكثرث للعمل الدبلوماسي رغم جدية برلين وباريس إلا أن ضغوطات واشنطن أوقفت كل المبادرات لفرض شروطها، فكانت رحلات النقل العسكري تتدفق لنقل الاسلحة والمعدات والفرق العسكرية والخبراء إلى كييف بشكل مستمر لدعم الجيش الأوكراني الذي دفعت به لقلب المعركة في إقليم دنباس بينما أطنان الأسلحة الفتاكة تتوالى، وانفاق مليارات الدولارات، وحشد الجماعات الإرهابية من مختلف الدول، واغلاق مضيقي الداردنيل والبوسفور على اغلاق الملاحة بوجه الروس عن طريق تركيا، ونشر الدعايات الكاذبة في التصريحات الرسمية، وإغلاق القنوات الفضائية على شعوب أوروبا، وكل منصات التواصل الاجتماعي لحجب الأحداث والتشويش على وعي وأفكار المواطن الأوروبي في عملية متكاملة لغلق فضاءات الحريات الديمقراطية، وجعلها حصريا على الإعلام الغربي. هذه الحقائق الماثلة هي إفلاس سياسي لنسف القيم الديمقراطية، وهدم أركانها أمام هذه الطغم الإمبريالية المارقة وتوحشها اللامتناهي ونزواتها المهددة لأمن واستقرار الشعوب، وتهديد السلم العالمي. ثلاثة عقود من الإرهاب والاضطرابات والحروب، وإشعال الحرائق وسفك الدماء، وتخريب الحضارات وتدمير البلدان وهدم القيم الإنسانية هي حصيلة الهيمنة والنفوذ الاستعماري الذي لم يبق بلدا لم يمسسه الأذى والصلف والنهب والسلب لموارده أو الحصار ( إيران، فنزويلا، اليمن، كوريا الشمالية) أو فرشه أرضا كما حدث في العراق وسوريا واليمن وليبيا وفلسطين ولبنان . قد لا يصدق المرء ما يجري لكن للأسف هذا ما يحدث، ولك أن تستغرب أن يصل الأمر إلى منع رقصات البالية الروسية، وعروض السيرك، ومنع الجامعات الايطالية تدريس أدب ديستويفسكي، هذا هو السقوط الأخلاقي بعينه، وهذه هي الهستيريا بكل تفاصيلها السياسية في خوض معاركها المرتبكة والتخبط الفاقد البصيرة في الوعي السياسي . العالم لن تنطلي عليه الحقائق هناك حولى خمسة مليار من سكان العالم يصطف مع روسيا في مقابل مليار من مؤيدي الولايات المتحدة، وفقا للتصويت الأمريكي في الجمعية العامة للأمم المتحدة. هؤلاء ينظرون إلى توالي اخفاقات الإدارة الأمريكية أمام روسيا التي أفقدتهم توازنهم، وأمام بوتين الفيلسوف الحكيم وهو يتطلع إلى تشخيص فلسفة الوجود الكوني والحالة التي يجب أن يعيش عليها في التوازنات التي لا تخل بشروط السلام العالمي والتكامل الحضاري. فالعالم ليس أوروبا كما يعتقد شيوخ البيت الأبيض لغلق فضاءات العالم، ولماذا كل ذلك؟ لأن روسيا أعلنت اعترافها بجمهوريتي دانتسك ولوجانسك اللتان تتعرضان للإبادة من قبل الجيش الأوكراني المدعوم غربيا، في حرب لم تتوقف منذ ثماني سنوات ضد القوميات الروسية، أو لأن روسيا أوقفت زحف الناتو للتوسع والسيطرة واحتلال بقية بلدان أوروبا الشرقية ومنها أوكرانيا، لممارسة الحالة الذرائعية أن من حق أوكرانيا الانضمام لحلف الناتو والاتحاد الأوروبي.. وكيف لا ؟ وحلف الناتو يريد الوصول إلى أبواب موسكو ..
لعلنا نتذكر أزمة الصواريخ الكوبية في ستينيات القرن الماضي الذي كان ردا على الصواريخ الأمريكية في تركيا، اعتبرت الولايات المتحدة تهديدا لأمنها القومي، وانتهت الأزمة بفكفكة الطرفين منظومتهما. اليوم من حق روسيا تدافع عن أمنها القومي، وما يهدد وجودها، طالما وهناك مغامرون من جماعة ستيبان بانديرا الفاشست الباحثون عن جنة الغرب، ليجعلوا من أوكرانيا الخاصرة لضرب روسيا هكذا هيأ الاستعمار الغربي مسرح أوكرانيا منذ العام 2014، هؤلاء الأتباع يكررون ذات التوجهات الفكرية والعقائدية لجماعة بانديرا الذين خانوا الاتحاد السوفيتي فكانوا جزءا من النازية الألمانية في الحرب العالمية الثانية، وهكذا تكبر نازيتهم ونزواتهم العنصرية في تقاطعاتها النفعية مع الغرب الإمبريالي الطامع بالتوسع والقضاء على روسيا ومحوها من الخارطة الجغرافية، وليس بعيدا أن يستمر هذا المسلسل العدواني ضد الصين ليصبح العالم رهينة بيد الإمبريالية الاستعمارية الأمريكية. إنقاذ العالم من مسلسل الدمار هو ما يجب أن يقف عليه العالم الحر الأكثر عرضة للاستهداف لاسيما مع انتشار مختبرات التصنيع البيولوجي التي أنشأتها الولايات المتحدة الأمريكية خارج أراضيها، وبحسب التقارير الاستخبارية هناك مئتي مختبر في دول أوروبا الشرقية ودول الجمهوريات السوفيتية السابقة. تقول التقارير أن في أوكرانيا ثمانية مختبرات قد يعتقد البعض أن ذلك غير ممكن، لكن ذلك ماهو حاصل. وكأن هذا العالم يجلس فوق برميل بارود مهدد بالفناء في مثل هذه الحروب البيولوجية الأكثر خطورة في تهديد الكون بهذا النوع من الحروب الصامتة. وفي نفس الوقت فإن العالم محاط أيضا بأخطار حلف الناتو وقواعده في غالبية بلدان العالم .. فهل الولايات المتحدة ستستخدم هذه الأسلحة الفتاكة حفاظا على مصالحها ؟ كثير من المحللين يجزمون بالتأكيد أن البيت الأبيض لا ثقة لها فقد يستخدمون أيا من هذه الأسلحة ويستدلون على شواهد التاريخ في استخدم القنابل النووية على مدينتي ناجازاكي وهيروشيما في الحرب العالمية الثانية 1945، وكل الاحتمالات واردة في في استخدام الأسلحة البيولوجية في مناطق محددة أو أي من أسلحة الدمار الشامل .. وربما حديث الرئيس الروسي عن التهديد باستخدام السلاح النووي بأن لديه معلومات عن نيات الغرب استخدام الأسلحة النووية ولهذا يلوح هو الآخر باستخدامها. فهل أزمة أوكرانيا تضع بداية جديدة للتحولات لمرحلة جديدة من التعدد القطبي في التوازنات المختلة؟ ربما هذا ما يجعل واشنطن تعيش لحظات هستيريا هذا الصراع .. صراع بين قوى اقتصادية رأسمالية صاعدة تنافس الدول الإمبريالية الاستعمارية، بل وتتجاوز قدراتها التقنية، سواء على صعيد الأسلحة في التفوق الروسي، أو في مجالات أنظمة الهواتف الخلوية أو على صعيد مختلف المنتجات الصناعية ذات الجودة ورخص الأثمان. لقد قطعت الصين شوطا كبيرا حتى أغرقت أسواق العالم بمنتجاتها، وأصبحت الصين هي مصنع العالم الكبير، كما أصبحت روسيا مخزن تأمين الطاقة في أوروبا. هذان العملاقان صمتا لثلاثين عاما، واستيقضا مرة واحدة لا حدود لقوتهما كدولتين عظميين ترسخت علاقاتهما بشكل واسع مع العالم، وخصوصا مع عودة روسيا إلى المسرح الدولي، وهنا يأتي الذعر الأمريكي حتى تحول ساسة البيت الأبيض إلى طرشان في التخبط السياسي واستخدام عوامل القوة وعسكرة أوروبا ظنا منهم أن القوة ستخضع العالم تحت اقدامهم. ها هو الدب يبدأ أول وثباته غير مكترث بالعقوبات، وقد وضع كل الاحتمالات السيئة من بينها الحرب العالمية الثالثة لإيقاف زحف الناتو. بيد أن التحولات تمضي ليس كما تشتهي البيت الأبيض مهما بلغت هستيريتها من الجنون، فتلك هي السيوكوباتية الفجة التي تمارسها وهي في الحقيقة تعبير عن جوهرها الحقيقي بعد أن خلعت قناعها الناعم الخادع والمزيف بأنها راعية للديمقراطية وحقوق الإنسان، لتظهر بصورتها أمام العالم وفي سماتها وملامحها وأطماعها وأهدافها التوسعية في استعمار العالم. انقشع القناع الخادع الذي كانت تخفي تحته نفسها وتتقمص أدوارا مفتعلة. ظهرت مخالب الإمبريالية بعد أن دجنت وفقست أنظمة بأموالها التي تنهبها من أنظمة مختلفة. الطبقة الرأسمالية هكذا تقتات وتعيش على اقتصاديات العالم الآخر. وهذا هو الاستعمار الإمبريالي بحقيقته الصبيانية لن يترك أحدا لمنافسته قبل أن يعمل تكسير عظامه. إذ لم يكن في خلده أن تصعد روسيا والصين وبقية النمور الآسيوية إلى هذا المستوى من التقنية العالية، وإلى التجارة الحرة واقتصاد السوق الذي كان حصريا مصمما على مقاسها، وإذا بها تركب على مقاس الآخرين، يا لها من مفارقات عجيبة خارج حسابات هذا الطفيلي العفن. العقوبات لا محل لها من الإعراب، وإن كانت ستؤثر على روسيا، لكن ارتداداتها لم تتوقف للأسف عند الحدود الروسية، بل ستنعكس على أوروبا بمآلاتها الثقيلة ..
في المقابل لن توقف خطوات موسكو عند أوكرانيا، فقد انطلق ركب التحرير بعد انتظار طويل للحلول، ولم تأت من الجانب الأمريكي أي مبادرات، فراح زحف التحرير يشق الأرض للدفاع عن لوجانسك ودانتسك، وتوسع عمقا في عملية عسكرية محدودة لاستهداف البنية التحتية للجيش الأوكراني وستمضي إلى النهاية حتى تحقيق حسب تصريحات وزارة الدفاع الروسية.. النهاية التي ستجعل القارة العجوز تعيد توازناتها وتبادلاتها الاقتصادية، إذ لا بديل للطاقة الرخيصة سوى روسيا، وما عدا ذلك هو إغراق المواطن الأوروبي بالأزمات القاتلة. ثمة حلول على الطاولة، واضحة لكن للأسف النزعات الشيطانية مازالت راكبة أفئدة وعقول البيت الأبيض، وأمامها خيارين لا ثالث لهما، أما أن ترضخ للتحولات الجديدة في التعدد القطبي، وتتعايش بسلام مع العالم كدولة تتكامل اقتصاديا مع محيطها العالمي، أو أن تلجأ إلى خيار الحرب الذي تحشد له وتعزز قواعدها من أجلها. يبقى أمام أوروبا الاستقلال عن الوصايا الأمريكية، وبدون ذلك لن تصل إلى نهضتها طالما وهي تنساق وراء الكمبارس الأمريكي.
نحن نقف على أعتاب مرحلة جديدة من التحولات في خضم هذا الصراع الحاد الذي تبدو ظواهره انقشاع غيوم الأحادية القطبية التي استباحت العالم بهزات عنيفة لمصالح الدول والأمن العالمي، وبالصراعات والحروب كانت أشرسها موجات حروب الثلاثة العقود الماضية منذ تفكك الاتحاد السوفيتي، واختلال التوازنات لصالح هيمنة القطب الواحد الذي ساد العالم تحت قيادة الولايات المتحدة فزجت بالدول إلى أتون الحروب وتخريب منظومات العلاقات الدولية، وإغراق المنطقة العربية بتراجيديا مآسي الحروب الفضيعة وبشاعة القتل والابادات الجماعية للسكان المدنيين، وتدمير مقومات الحياة التي لم يعرف العالم مثيلا لها، وزادت ضراوة هذا العدوان واتساع نطاقه مع عودة الديمقراطيين الأمريكيين إلى البيت الأبيض، هؤلاء الطرشان يتمادون في غيهم أكثر وأطماعهم التوسعية التي لا حدود لها حتى يخال للمرء أن هذا العالم غابة يظهر فيه الوحوش آكلة لحوم البشر في ضيعة يظنها هؤلاء ملكا لهم في استباحته.
المصدر : عرب جورنال