مقالات وآراء

قادمون يا صنعاء .. معركة الحسم الأخيرة مسرحية من مشهد واحد

قادمون يا صنعاء .. معركة الحسم الأخيرة

مسرحية من مشهد واحد

 

كتب/ عدنان باوزير

طاولة بيضاوية ضخمة يجلس على رأسها العميد ركن كابتن طيار قبطان بحري القائد هيثم غاسم، ويرتص من حولها قادة عسكريون كبار من مختلف الرتب والتشكيلات العسكرية لفصائل مرتزقة التحالف العربي، وتزيّن جدران القاعة بشكل مبالغ فيه أعلام الجمهورية اليمنية بحيث يفوق عددها أعداد المجتمعين أنفسهم، وفي الواجهة صورة بارزة (للرئيس) الضرورة رشاد العليمي وتحتها سبع صور لنوابه السبعة.

العميد غاسم يتنحنح ثلاث نحنحات مسموعة لجذب الانتباه والإعلان عن بدء الاجتماع رسمياً ثم يمسك المايك ويعلن ذلك رسمياً:

باسم (القمهورية) نبدأ اجتماعنا هذا فوق العادي ، كما تعلمون فقد صدرت الأوامر من فوق – ثم أشر بيده للأعلى بحركة مسرحية ليعطي للموضوع رهبة إضافية- ثم أستدرك ليوضح عبارة (من فوق) حتى لا يظن الضابط الغبي الملتحي في أقصى يمين الطاولة أن الأوامر قد صدرت من أرحم الراحمين، موضحا : صدرت الأوامر من قيادة التحالف العربي لدعوتكم والاستماع الى آرائكم، لأن الخطط كلها جاهزة وكما تعلمون أن التوجه هو نحو (تحرير) صنعاء في معركة حاسمة وخاطفة لا تتجاوز الأربع ساعات، وكما تعلمون أن الظروف مواتية للغاية الآن والأمريكان متحمسون جداً وكذلك (الجماعة) – الجماعة إشارة الى الكيان الصهيوني- وهذه أيضاً رغبة الأقاليم، خصوصاً بعد(مسرحيات) المليشيات في البحر الأحمر وتهديد الملاحة الدولية، ثم تنبه لما يمكن أن تتركه عبارة (كل الخطط جاهزة) في أذهان القوم من أثر سلبي ويكتشفوا أنهم مجموعة طراطير لا تأثير لهم، قائلا: طبعاً أنتم الأساس في هذه المعركة ولا غناء عن أفكاركم، ولكن أنتبهوا : لا أريدكم أن تفكروا بطريقة نمطية، (أشتيكم) تفكروا خارج الصندوق هذه المرة، وأن تستفيدوا من تجاربنا الطويلة في مواجهة تلك (المليشيات)، لا أطيل عليكم وتفضلوا نبدأ (النغاش) .

العقيد حمود يطلب الكلام فيؤذن له : فيبدأ الكلام وهو يتحسس بطريقة لا شعورية بيده الأخرى على مجموعة النياشين والأوسمة المتخمة بها بدلته العسكرية ليشعرهم بأهميته : يا جماعة قال لي مرة الفندم (محسن) – يقصد الجنرال العجوز علي محسن -: إذا أردنا حسم سريع للمعركة يجب أن نقاتل تلك المليشيات بنفس نوعية أسلحتهم وبنفس تكتيكاتهم الحربية، يعني بإختصار على قيادة التحالف أن تزودنا بعدد كبير من (المسيرات) الانقضاضية وكذلك الصواريخ الباليستية …، فيحدث لغط بين الحضور فيستعيد العميد غاسم المبادرة ناسفاً هذه الفكرة من أساسها : أسمعوني أرجوكم ، نحن هنا (الشرعية) .. نحن الدولة، نحن الأساس، هم المفترض أن يقلدونا وليس نحن، ثم أن هذا الكلام قد يكون ممكن عسكرياً لكن سياسياً فهو غير وارد، سأقول لكم من الآخر خالص لحسم هذه النقطة: التحالف لن يغامر بتزويدنا بتلك الأسلحة لاعتبارات كثيرة، أولاً هو يخشى أن تقع تلك الأسلحة الخطيرة في أيدي (الحوثة) كما قد حصل في مرات سابقة، العقيد حمود مقاطعاً : هذا لن يحدث هذه المرة ، أنا أضمن لك هذا، العميد غاسم: لا تقاطعني أرجوك ودعني أكمل، يجب أن نتفهم مخاوف التحالف، كما أنهم لن يغامروا بتسليح جيش لا يعرفوا بعد كيف سيئول توجهه ، العقيد حمود مقاطعاً مرة أخرى وبوقاحة ظاهرة مستغلاً الفرصة للتعريض ب (العفافشة) : يا سيدي سوف نتعهد لهم خطياً بتدمير تلك الأسلحة كما فعل النظام السابق ويتبعها بضحكة صفراء قصيرة، فيسرها العميد (يحيى) ممثل فصيل ما يسمى ب (حراس الجمهورية) الموالي لورثة الرئيس السابق، لكن لا يصبر ويجدها فرصة سانحة لرد الصفعة، قائلاً: يا جماعة ليس هذا غير وارد سياسياً ف حسب بل وحتى عسكرياً هذا كلام غير مهني البتة وأستغرب أن يصدر من عسكري محترف، فكلنا نعرف أن (الحوثة) يقاتلون بطريقة حرب العصابات، على شكل مجموعات صغيرة، كل مجموعة لا تتجاوز الخمسة نفر، وليسوا جيش نظامي مثلنا، فكيف بربك ستهدر صاروخ يكلف الملايين لضرب خلية صغيرة كهذه؟ ، فيقره الجميع ويبتلع العقيد حمود الإهانة على مضض، فتسقط هذه الفكرة نهائياً.

 

 

يستبد الحماس فجأة بالعقيد (مثنى عسكر) ممثل قوات (النخبة) التابعة (للمجلس الانتقالي) ويتقمص الدور حرفياً ويقتحم معمعة (النغاش) قائلاً : يا جماعة أسمعوها مني على بلاطة، التحالف إذا هم حق حرب صدق ومش مؤامرات ومسرحيات مع (الحوثي) ، فمش صعب على السعودية أنها تطلب من أمريكا أنها تساهم بشوية غواصات وسفن انزال بحري، ما (نشتيهم) يقاتلوا نيابة عنا، نحن سوف نقاتل، فقط هم ينزلوا قواتنا في الحديدة في منطقة الميناء، متزامنة مع عملية ابرار جوي في ميدان السبعين بصنعاء وحُسمت المعركة في ساعتين وليس حتى أربع ساعات، خلاص قُضي الأمر، فيتمتم المقدم (عبدالرقيب) بصوت مسموع : (مو النورماندي) ؟ يا جماعة الحوثة ليسوا (هتلر) و(اليمن) ليست (فرنسا)، فيضج المجلس بالضحك وكلمات السخرية والاستهجان، فيستعيد العميد غاسم الهدوء قائلاً بتهكم : يا جماعة أنا طلبت منكم أن تفكروا خارج الصندوق مش خارج أم المنطق ؟؟ هذا الآكشن يا مثنى وعادك ما خزنت، كيف لما تخزن؟ فيضحك الجميع وتسقط الفكرة النكتة.

 

 

المقدم عبد الرقيب يطلب الكلام مشخصاً المشكلة: يا جماعة أنا سأخبركم لماذا الحوثة متفوقون علينا، الحوثة ببساطة يقاتلون بعقيدة، فيتدخل العميد غاسم: جميل، طيب ولماذا لا نقاتل نحن بعقيدة مثلهم؟ بالعكس نحن الشرعية، نحن الدولة ونحن أصحاب رسالة، فيجيبه المقدم عبد الرقيب: أنا سأخبركم لماذا: هل تتوقع مثلاً من المقاتل الإصلاحي في مارب أن يقاتل بذمة ويموت من أجل أن يعود ليحكمه (أحمد علي عفاش) الذي سبق وقاتل لإسقاط أباه من الحكم؟ هل تنتظر من هذا المقاتل وأقرانه أن يقاتلوا وينشغلوا بتحرير (صنعاء) لينفرد هؤلاء بعدن – مؤشرا بيده نحو العقيد (مثنى) صاحب الانتقالي الجالس على الطرف المقابل من الطاولة- ويرفعوا علم دولتهم ويعلنوا الانفصال؟ ولنكون منصفين والكلام يخص الجميع، وهل تنتظر من مقاتل حراس الجمهورية أن يضحوا ليعود (الإخوان) الى الحكم وهم الذين أسقطوهم وأخرجوهم من الجنة؟ يا جماعة خليكم واقعيين. فيرد العقيد (مثنى) : أما دولتنا فسوف نستعيدها غصباً عن أنفك، هذا هو الاتفاق مع الجميع، أيش تظننا أنت؟ أغبياء؟ لا تكون مصدق أننا سنموت من أجل أن تعيدونا مرة أخرى الى باب اليمن؟ دولتنا وسوف نستعيدها والمجلس الانتقالي هو الممثل الشرعي لشعب الجنوب، فيحصل تدخل غير متوقع، ويقاطعه الرائد (جعبل عبدربه) ممثل ما يسمى بألوية المقاومة الجنوبية المنحل : ياخي الجنوب ليس ملككم وحدكم، لن ندعكم تنفردون بحكمنا، ما زالت أحقاد (يناير) في قلوبكم، وعقلياتكم الاقصائية ما زالت هي هي لم تتغير، ولن نسمح بمجازر أخرى، ثم يحصل تدخل فرعي غير متوقع آخر من العميد (يحيى) صاحب جماعة الحراس مصححاً : ومن قال لك أن (أحمد علي) الموجود في فنادق القاهرة هو الذي سيحكم؟ من سيحكم هو المناضل (طارق) الموجود في الميدان، وأقتحم غمار المعمعة العقيد (أبو دجانة اليافعي) ممثل قوات (العملاقة) : نحن من قاتل بعقيدة منذ اليوم الأول، نحن من كاد أن يحرر (الحديدة) لولا المؤامرات الدولية والتواطؤ مع (المجوس) وأنتم مشغولون بترهاتكم، نحن حررنا أرضنا – يقصد الجنوب- فأذهبوا أنتم وحرروا أرضكم أولاً وبعدين تعالوا نتفاهم، ثم أضاف قائلاً وهو واقف : نحن مستعدون لتحرير (صنعاء) وحدنا، (الحوثة) يعرفون هذا، والتحالف يعرف هذا، ولكنكم تضعون ملاحظات ما يسمى بالمجتمع الدولي في طريقنا بدعاوي إرهاب ما إرهاب، أنتم للأسف مجرد خونة …، هووووبا أنفجر النزاع وعمت الفوضى وخرج المجتمعون عن جوهر النقاش وانشغلوا في مهاترات جانبية.

 

فتدخل العميد محاولاً استعادة النظام واسكات الجميع: يا جماعة أرجوكم ما فيش داعي أن يزايد أي طرف على الآخر، كلنا في مركب واحد وكانا في خندق واحد، فدعوا كل هذه الحزازات جانباً ودعونا نقاتل كرفقاء سلاح كتفاً الى كتف لتحرير صنعاء، فالآن للأسف أتضح أننا لسنا أطراف متصارعة فحسب بل وداخل الفصيل الواحد نفسه عدة أطراف متنافسة، بهذه العقلية سيسحب التحالف الثقة مننا، ويوقف دعمنا، وأنتم تعلمون ما معنى هذا، هذه هي الفرصة الأخيرة لنا لنثبت للتحالف أننا على قدر المسئولية وعلى مستوى التحدي.

 

 

المخرج يتدخل مستعيناً ببعض المؤثرات الضوئية والصوتية على خشبة المسرح، فتخفض الإضاءة قليلاً على خلفية صوت خافت للنشيد الوطني وهو يتردد في الأرجاء : رددي أيته الدنيا نشيدي .. وعندما يصل الى مقطع : لن ترى الدنيا على أرضي وصيا ، يظهر على الشاشة الكبيرة في صدر القاعة بعض أبطال من الجيش (الوطني) وهم يلوحون بأعلام دول التحالف العربي وتحديدا علمي (السعودية والإمارات) فيجدها العميد (غاسم) فرصة للانحراف بالنقاش الى زاوية أخرى مهمة، زاوية يظن واهماً أنها ستكون موضع اجماع ، فيبدأ كلامه بعد أن أستعيد بالكاد بعض الهدوء، موجهاً نحو العميد (ناصر) مسئول التعبئة والتوجيه المعنوي بالجيش الوطني : قل لي يا عميد ناصر: ما هي خطتكم أنتم في هذه المعركة الحاسمة، كيف سترفعون روح المقاتلين المعنوية وتجعلوهم يتقافزون كالأسود الضارية الى متاريس الحوثة؟، العميد ناصر يشكره على اعطائه الفرصة ولكنه يرد السؤال بسؤال مما يسبب الإحباط للجميع: جميل يا فندم، ولكن فليخبرني أحد منكم كيف نفعل ذلك؟ هل نفعله بالأناشيد والأعلام والكلام الإنشائي؟ لقد جربنا هذا طوال عشر سنوات مضت ولم يثمر شيئا، يا جماعة صدقوني الخل كل الخلل هو في المستوى السياسي، فلم نقدم خلال كل هذه المدة أي نموذج يُحتذى، كيف سيقاتل المقاتل بروح معنوية عالية وهو يرى ويسمع عن هذه الصراعات البينية بين رفقاء الخندق الواحد؟ أما الطامة الكبرى فهي تسرب ذلك الكشف اللعين – يقصد كشف الإعاشة- فخرب علينا كل خططنا، بربكم أنتم أخبروني: كيف سيقاتل الجندي العادي أبو مرتب ألف ريال سعودي في الشهر ويموت من أجل أولئك التنابلة الذين يتقاضون بالعشرة ألف دولار شهرياً وهو (راقدين) في فنادق القاهرة وإسطنبول؟ هه كيف؟ كيف؟ كيف سنقنعه بالقتال؟ وهو يرى الجرحى الذين سبقوه وقد تُركوا يتعفنون بدون أي اهتمام أو علاج ، وهناك أمور أخرى أهم .. فيقاطعه العميد (يحيى) متهكما : زيدوا لهم من أناشيد وهبالات (الأضرعي) وسخافات قناة (سهيل) ، فيستشيط العقيد حمود غضبا ويرد : وأنتم يا عفافشة خففوا شوية من زحوفاتكم الكاسحة على الفيسبوك وتويتر هههههه، فيتدخل العميد غاسم ويتجاوز هذه النقطة الخلافية والتي ظن واهماً أنها جامعة.

 

 

العميد غاسم موبخا ومنتقلاً الى النقطة الأخيرة على أجندة الاجتماع : دعونا الآن من هذه الحماقات ودعونا نرحب بالمحلل (الاستراطيزي) الكبير الدكتور (عبد الجبار شائف) الذي أرسلته (الغيادة) ليثري نقاشنا المهم هذا ، تفضل دكتور شائف، الدكتور شائف بطريقة متكلفة وحذلقة مثيرة للسخرية : يا جماعة هكذا أمل جلل لا يُترك للعسكر وحدهم، ولابد من عمل سياسي هادف يشكل الرديف الأهم للمواجهة، لابد هه .. لابد من احداث (دربكة) من نوع ما داخل الجبهة الداخلية للمليشيات، تتزامن مع أي جهد عسكري، لابد من تنسيق هذا وتحديد ساعة الصفر، لا غنى من تحريك جحافل الجماهير داخل صنعاء بدعوى الدفاع عن الجمهورية، واللعب بشعارات الكهنوت والطائفية والسلالية ..الخ، وهناك عناوين كثيرة يمكن استغلالها، لماذا لا يتم تهييج الجمهور بموضوع انقطاع المرتبات والمعاناة اليومية القاتلة، هذه فتائل ممكن أن تشعل الشارع هناك، وخلوني هنا أسأل جماعة (الحراس) و(المؤتمر) عموماً : أين قواعدكم المليونية ؟ أين تلك الأعداد الهائلة التي كنا نشاهدها في ميدان السبعين في أواخر أيام النظام السابق؟ لماذا لا يتم تحريكها الآن، وللأخوة الإصلاحيين : أنتم أيضاً أين قواعدكم المليونية التي كنا نشاهدها في شارع الستين في كل جمعة، لماذا لا يتم تحريكها ؟؟ صدقوني هذا سيحسم الأمر ولن يأتي التدخل العسكري الا كمتمم نهائي. الجميع يهز رأسه مستحسنا، ثم يتوجه بالسؤال لجماعة المؤتمر: بالضبط ، أين قواعدكم؟ لماذا لا تنسقون معها، ثم يحاول أن يستخف دمه متندرا : يا جماعة الدعم موجود ومفتوح وسخي، وبدل ما كانوا يخرجون أيام عفاش مقابل ربع حبة دجاج كنتاكي، سنخصص لهم من حبة كاملة لكل نفر فيضحك الجميع من الدعابة الا مندوب جماعة الحراس يحرك رأسه بإستهجان، ثم يخاطب جماعة الإصلاح : وأنتم أيضاً أين قواعدكم ؟ لماذا لا تحركونهم؟ فيحاول الفندم (حمود) أن يدافع عن جماعته، قائلاً : يا جماعة الكلام والتنظير سهل هنا في المجالس، (الحوثة) لديهم جهاز قمعي يقظ ومعاهم (صمل) خضراء ترهب الجميع، فينفجر العميد غاسم غاضباً : إذا كنتم تخافون من (صمل) الحوثة فكيف بربكم سوف تواجهون بنادقهم في الجبهات؟؟! وينفجر النزاع بين جميع المجتمعين ويعلو الصياح ويختلط الحابل بالنابل، ويخرج ممثل الحراس تلفونه ويبدأ بالاتصال (آلو طارق) مقدما تقريره الأولي، وصاحب الانتقالي (آلو عيدروس) .. وغيره (آلو المحرمي) .. (آلو فندم علي) .. ويحتدم النزاع وتتطاير الكلمات بدون أي تحفظ ، فيحاول العميد غاسم استعادة الهدوء والسيطرة على الوضع ولكن دون جدوى، فتُطفأ الأضواء وينسدل الستار !! والى اللقاء في المشهد الثاني الذي لن يكون بأي حال من الأحوال في صنعاء وربما حتى ليس في عدن … (أنتهى)

 

 

نقلا عن موقع الاحقاف نيوز

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى